اليمن
هي اصل الفن ومنبعه الأول سنديانة النغم ودوحة الأصالة .. اليمن اسم يفرض نفسه عند الحديث عن
مرجعية إنسانية لأرقى أنواع الفنون الشعبية المرتكزة على قاعدة راسخة من الفلكلور الفني المتميز الضارب بجذوره في أعماق التاريخ، و الذي مثل أرضية انطلقت به ومن خلاله الكثير من التيارات الغنائية الأخرى.
ولعل ذلك مرجعة إلى التنوع المناخي والمناطقي، الذي تتمتع به اليمن وكان له أثره في إغناء المادة الفولكلورية وتحويل الغناء الشعبي اليمنى الى قبس استمدت منه فنون الخليج والجزيرة العربية الكثير من نتاجاتها الفنية .
وعلى خلفية الموقع الجغرافي لليمن يمكن القول أن هذا البلد تمتع من الناحية التاريخية بأهمية استراتيجية نوعية جعلت منه إحدى الممالك القديمة المرموقة، كما أتاحت له فرص الاتصال بالإغريق والهنود والشرق الأقصى والمصريين والآشوريين والبابليين وشمال الجزيرة العربية وشرقها وسواحل أفريقيا الشرقية مما كان له عظيم الأثر في جعل الثقافة اليمنية موضوع تفاعل خلاق مع ثقافات الآخرين. وقد انعكس هذا الملمح على الفولكلور، الذي يؤشر تنوعه الهائل من بين ما يؤشر، إلى تلك الحالة التفاعلية الإنسانية العظيمة، وهو ما يشكل مادة خصبة للبحث والدراسة.. وتتجمع كثير من الدلائل التي تؤكد على أن المادة الفولكلورية اليمنية مثلت عامل جذب للكثير من الباحثين اليمنيين والعرب والأجانب.
وبالنظر إلى اتساع مساحة اليمن يمكن القول أجمالا بأن ثمة أربعة تضاريس جغرافية رئيسية تميز هذا البلد :
- المرتفعات الجبلية.
- الهضاب الوسطى.
- السهول الساحلية.
- الصحاري الداخلية.
ويحتوي كل إقليم على تفاصيل فولكلورية كثيرة، فإذا توقفنا عند حضرموت على سبيل المثال فسنجد بأن هذا الجزء بحكم ارتباطه بجنوب شرق آسيا وشرق أفريقيا، تميز بتعدد الرقصات تعددا هائلاً، ولكن هناك من يرى أن حضرموت لها ثلاثة ملامح رئيسية للرقصات :
- رقصات ذات طبيعية يمنية خالصة.
- رقصات أفرويمنية.
- رقصات أسيويمنية.
وبحكم اتساع مساحة حضرموت تعددت المناطق فيها وتنوعت بالتالي الرقصات، إذ توجد خمسة انماط لرقصات حضرموت :
1- رقصات وادي حضرموت.
2- رقصات الشريط الساحلي.
3- رقصات وادي دوعن.
4- رقصات وادي حجر.
5- رقصات بادية حضرموت.
ويستتبع هذا التعدد في الرقصات تعدد الأغاني الشعبية والأشكال الفولكلورية غير الحسية الأخرى مما يعكس ثراء عظيماً للمادة الفولكلورية في هذه المنطقة.
وينطبق نفس الحال على المناطق اليمنية الأخرى المنتشرة في المرتفعات الجبلية والهضاب الوسطى والسهول الساحلية.
ويقال أن اليمن تختزن اكثر من مائة رقصة، ومع هذا الكم الهائل، إلا إنه يمكن حصرها في ثلاث رقصات عامة:
1- الزفين: ويرقصها اثنان على نغمات وإيقاع الآلات الشعبية في حضرة جمع من المتفرجين على شكل دائري أو مستطيل، وقد تؤدي هذه الرقصة بمشاركة رجل وامرأة.
2- الشرح: وتؤدي بمصاحبة الإيقاع وسط جمع من المتفرجين على هيئة دائرة كبيرة، ويشارك المتفرجون بالتصفيق والأغاني، وتؤدى هذه الرقصة من قبل اثنين قد يكون أحدهما امرأة في مناطق معينة.
3- البرعة : وتؤدى بمصاحبة الطبول حيث يتجمع المتفرجون على هيئة دائرة كبيرة يتوسطها اثنان أو أكثر ممسكين بالجنابي (الخناجر) ومعروف بأنها رقصة الحرب.
وفي سياق الحديث عن الرقص في اليمن تجدر الإشارة إلى أن ثمة رقصات تخص الرجال كرقصات الحرب ورقصات الصيد عموما، وهناك أيضاً رقصات الشبواني في حضرموت، ورقصات الفرساني في شمال تهامة ورقصات القرعة والعودة في بيحان.
وثمة رقصات تنفرد بها النساء كرقصة اللعبة في لعبوس؟ بيافع والرزحة في شبوة والهمداني في عدن والفية في حضرموت والطبعة في الحديدة.
وهناك رقصات تؤدى من قبل الرجال والنساء كبعض رقصات الشرح والزفين.
وإذا انتقلنا إلى الأغاني الشعبية فيمكن تقسيمها إلى :
1- أغاني الحرف والمهن.
2- أغاني الطقوس الاجتماعية.
وتوجد في اليمن طائفة من عناوين هذه الأغاني.. من تلك العناوين ما يلي :
- أغاني السناوة، وتردد أثناء سحب الماء بالدلو.
- أغاني المرعى.
- أغاني الزراعة.
- أغاني الجمالة.
- أغاني السيول.
- أغاني النخالة.
- أغاني الطحين.
- أغاني الرهي.
- أغاني الحرف اليدوية.
- أغاني الصيادين.
- أغاني التجلوب، وتخص المرأة في شريط حضرموت الساحلي.
- أغاني الهدهد.
- أغاني الأطفال.
- أغاني الأفراح.
مخاطر تهدد تراثنا الشعبي :
يتعرض الفولكلور اليمني غير الحسي اليوم إلى عدد من المخاطر التي من شانها – في حالة عدم المواجهة- تقويض هذا الفولكلور وافراغ الحياة منه، وسنقف عند بعض تلك المخاطر:
- التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والقيمية التي عاشها اليمن منذ ثلاثين سنة بتهديد مباشرة أغاني العمل لدى المزارعين والحرفيين خاصة مع انتشار التقنيات الميكانيكية في كل المهن.
- الأغاني والألعاب الشعبية للأطفال باتت الآن جزء من ذكريات الماضي، خاصة مع انتشار أفلام الكرتون التي تشد الأطفال نحوها ماآنساهم كثيراً من تقاليدهم الشعبية في الغناء والرقص وبالذات في المدن.
- التسويق التجاري للكاسيت الذي يتضمن مواد غنائية شعبية تؤدى من قبل محترفي الغناء خارج سياقها الاجتماعي ما تسبب في انتشار ظاهرة تشويه تلك الأغاني ، ونتج عنه اضطراب خطير في مكوناتها الفنية.
- تتضمن الأعراس اليمنية برامج فولكلورية تتضمن الأغاني والرقصات الشعبية كما تؤشر إلى التراتب الاجتماعي والفئوي في المجتمع المحلي ، بيد أن التغيرات التي تلازم الأعراس اليوم خاصة في المدن تهدد تلك البرامج بالانقراض.
من الواضح إذن أن الفولكلور اليمني غير الحسي يتعرض لمخاطر جمة لاتدرأها تلك الصيحات التي تنطلق من هنا أو هناك، وبالتالي فهي تتطلب رفع جاهزية المؤسسات الثقافية والعلمية الحكومية وغير الحكومية للدفاع عن ما تبقى من هذا الفولكلور باعتباره أحد مظاهر الإبداع الانساني.
وانطلاقاً من تلك الرؤيا وتسليما بالتنوع الذي تتميز به الموسيقى الشعبية اليمنية كنتيجة لتعدد المناطق وكحصيلة لنماذج الأطراف الحدودية اليمنية مع شعوب آسيوية وأفريقية ، وفي لحظة استفاقة ثقافية ذاتية نادرة، تم الترتيب لعقد ندوة دولية للموسيقى اليمنية، وذلك للنظر في شئونها، خاصة وأنها باتت موضوع دراسات كثيرة قام بها يمنيون وعرب واجانب، حتى كانت ندوة صنعاء في الفترة من 27 إلى 29 يوليو 1997م. وحضرها كل الباحثين الذين اهتموا بموضوع الموسيقى اليمنية. وقد كان للغناء والرقص الشعبي نصيب جيد من أوراق تلك الندوة. وفي هذا الصدد يمكن الإشارة إلى البحوث التالية:
- موسيقى الصيادين اليمنيين في منطقة بحر العرب للباحثة الألمانية جبريلا براون.
- أغاني صيادي مدينة الشحر للباحث اليمني عبدالرحمن الملاحي.
- الموسيقى الريفية في المرتفعات اليمنية للباحث الفرنسي حبيب يمين.
- الدان والغناء العوادي للباحث اليمني احمد مفتاح.
- حلقات الدان في وادي حضرموت للباحثة الفرنسية مشهر زاد قاسم حسن.
- الفرق الايقاعية في اليمن للباحث الألماني يورجين السنر.
- من فن الرقص الشعبي في اليمن للباحث اليمني احمد سعيد الكوشاب.
- الرقص الشعبي في محافظة حضرموت للباحث اليمني سعيد عمر فرحان.
- رقصة العدة وألحانها للباحث اليمني عبدالله صالح حداد.
وبهذا العدد من الأبحاث يكون الغناء الشعبي والرقص قد احتلا مكاناً بارزاً في دائرة الاهتمام البحثي ، وهو أمر يشير إلى الأهمية النوعية للغناء والرقص الشعبيين في حياة الجماعات اليمنية.
وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن ندوة صنعاء خرجت بعدد من التوصيات كان أبرزها التوصية القاضية بإنشاء مركز التراث الموسيقي اليمني الذي وافقت قيادة وزارة الثقافة على إنشائه عام 1998م. وقام المركز حتى الآن بجمع ما تيسر من ألوان الغناء التقليدي وأرشفته. ولدى المركز الآن مشروع للمسوحات الميدانية ومشروع آخر للجمع المسحي الذي سيبدأ بتسجيل المأثورات الغنائية التقليدية المتوفرة في الاذاعات اليمنية والمكتبات الخاصة بهواة تلك المأثورات. ويسعى المركز إلى تطوير عمله في مجالات التوثيق والحفظ والبحث والتدريب العملي حتى يكون قادراً على التصدي للمهام المنوطة به في بلد يزخر بالفولكلور على نحو مدهش.
واللافت للنظر أن تنامي الوعي بأهمية الفولكلور غير الحسي في المجتمع المدني بدأ يفرض نفسه على هيئة جمعيات ومؤسسات بدأت تتشكل كأوعية لاستيعاب شتى الاهتمامات والرؤى المرتبطة بالمسألة الفولكلورية. وهنا يمكن التوقف عند المؤسسات التالية :
1- المركز اليمني لجمع وحماية التراث الثقافي والفني: تأسس عام 1998م.
2- منتدى العمري للآداب وإحياء التراث : تأسس عام 1998م.
3- جمعية الشعراء الشعبيين اليمنيين : تأسست عام 2001م.
4- مؤسسة حماية الآثار والتراث الثقافي: تأسست عام 2001م.
5- المركز اليمني للتوثيق العلمي: تأسس عام 2002م.
من الواضح أذن أن المجتمع المدني بدأ يستشعر أهمية العنصر الفولكلوري في اليمن كمقوم من مقومات الذاتية الثقافية، وبتواصل جهود هذه المؤسسات والجمعيات غير الحكومية سيرتفع مستوى الوعي العام بأهمية الفولكلور وبأساليب التعامل معه علمياً.